فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن كتم تتمنون وتريدون عدم ملاقاة جيش الكفار في معركة فالمولى عز وجل يقول لكم {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين}.
أي أن الله تعالى يريد أن ينصر الإسلام بقوة ضئيلة ضعيفة بغير عتاد على جيش قوى فيعرفون أن ربنا مؤيدهم، وبذلك يحق الحق بكلماته أي بوعده. وهناك الكلمة من الله التي قال فيها: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى} [الأعراف: 137].
هكذا كان وعد الله الذي تحقق.
{وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين}
والدابر والدُبر هي الخلف، وتقول: قطعت دابره أي لم أجعل له خلفًا. اهـ.

.سؤالان وجوابان:

السؤال الأول: أليس أن قوله: {يُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بكلماته} ثم قوله بعد ذلك: {لِيُحِقَّ الحق} تكرير محض؟
والجواب: ليس هاهنا تكرير لأن المراد بالأول سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء، والمراد بالثاني تقوية القرآن والدين ونصرة هذه الشريعة، لأن الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببًا لعزة الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله: {وَيُبْطِلَ الباطل} الذي هو الشرك، ولك في مقابلة {الحق} الذي هو الدين والإيمان.
السؤال الثاني: الحق حق لذاته، والباطل باطل لذاته، وما ثبت للشيء لذاته فإنه يمتنع تحصيله بجعل جاعل وفعل فاعل فما المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل؟
والجواب: المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل، بإظهار كون ذلك الحق حقًا، وإظهار كون ذلك الباطل باطلًا، وذلك تارة يكون بإظهار الدلائل والبينات، وتارة بتقوية رؤساء الحق وقهر رؤساء الباطل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وإذْ يعدُكُمُ}
{إذْ} منصوب بفعل مقدر، أي: اذكر إذْ، والجمهور على رفع الدال؛ لأنَّه مضارع مرفوع.
وقرأ مسلمة بنُ محاربٍ: بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ.
وقرأ ابنُ محيصن {يعدكم اللَّهُ احدى} يوصل همزة أحْدَى تخفيفًا على غير قياس، وهي نظير قراءة من قرأ: {إِنَّهَا لإِحْدَى} [المدثر: 35] بإسقاط الهمزة أجرى همزة القطع مُجْرَى همزة الوصل، وقرأ أيضًا أحَد بالتَّذكير؛ لأنَّ الطائفة مؤنث مجازي.
و{أنَّها لَكُمْ} منصوبُ المحلِّ على البدلِ مِنْ إحْدَى أي: يَعِدُكم أنَّ إحدى الطائفتين كائنة لكم، أي: تتسلَّطُون عليها تسلُّط المُلاَّكِ، فهي بدل اشتمال وتوَدُّونَ تريدون: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} يعني: العير التي ليس فيها قتال والشَّوكةُ: السلاح كسِنان الرُّمح، والنصل والسَّيف، وأصلها من النَّبتِ الحديدِ الطرف، كـ: شَوْكِ السَّعدان، يقال منه: رَجُلٌ شائِكٌ، فالهمزة مِنْ واوٍ، كـ: قائم، ويجوزُ قلبه بتأخير عينه بعد لامه، فيقال: شاكٍ، فيصير كـ: غازٍ، ووزنهُ حينئذ فالٍ.
قال زهيرٌ: [الطويل]
لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقذَّفٍ ** لهُ لبدٌ أظفارهُ لمْ تُقلَّمِ

ويُوصفُ السلاحُ: بالشَّاكي، كما يوصف به الرَّجُل، فيقال: رجلٌ شاكٌ، وشاكٍ، وسلاحٌ شاكٌ، وشاكٍ.
فأمَّا شاكٌ غير معتل الآخر، وألفه منقلبةٌ عن عين الكلمة، ووزنهُ في الأصل على فَعِل بكسر العين، ولكن قلبت ألفًا، كما قالوا: كبشٌ صافٌ أي صوف، وكذلك شاكٌ أي: شَوِكٌ.
ويحتمل أن يكون حذوف العين، وأصله شَائِكٌ، فحذفت العين، فبقي شاكًا فألفه زائدةٌ، ووزنه على هذا فالٍ.
وأمَّا: شاكٍ فمنقوصٌ، وطريقته بالقلب كما تقدم ومن وصف السلاح بالشاك قوله: [الوافر]
وألْبِسُ من رضاهُ في طريقِي ** سلاحًا يَذْعَرُ الأبطالَ شَاكَا

فهذا يحتمل أن يكون محذوف العين، وأن يكون أصله شوكًا، كـ: صَوِف.
ويقال أيضًا: هو شاكٌّ في السلاح، بتشديد الكافِ، من الشِّكَّة، وهي السلام أجمع، نقله الهرويُّ، والرَّاغبُ.
قال: إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها، يعني: العير، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته.
وقرأ مسلمة بن محارب: بكلمته على التَّوحيد، والمراد به: اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع، والمراد بقوله: بِكلماتِهِ أي: بأمره إيَّاكم بالقتالِ، وقيل: بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه: {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} والدَّابرُ الآخر من دبر، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي: ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}
التعريجُ في أوطان الكسل، ومساكنة مألوفات الراحة من خصائص أحكام النَّفْس، فهي بطبعها تؤثِر في كل حالٍ نصيبها، وتتعجل لذَّةَ حظِّها. ولا يصل أحدٌ إلى جلائل النِّعم إلا بتجرُّع كاسات الشدائد، والانسلاخ عن معهودات النصيب.
{وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أي إذا أراد اللهُ- سبحانه- تخصيصَ عبدٍ بولايته قضى على طوارقِ نفسه بالأفُول، وحكم لبعض شهواته بالذبول، وإلى طوالع الحقائق بإشراقها، ولجامع الموانع باستحقاقها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{ليحق الحق} أي الذي هو دينه القيم وفيه فوز الدارين {ويبطل الباطل} وهو كل ما خالفه {ولو كره} أي ذلك {المجرمون} أي الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويكسر قوتهم بضعفكم ويفني كثرتهم بقلتكم ويمحق عزهم بذلتكم فيظهر علو أمره ويخضع الأعناق لذكره. اهـ.

.قال الفخر:

واعلم أن أصحابنا تمسكوا في مسألة خلق الأفعال بقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الحق} قالوا وجب حمله على أنه يوجد الحق ويكونه، والحق ليس إلا الدين والاعتقاد، فدل هذا على أن الاعتقاد الحق لا يحصل إلا بتكوين الله تعالى.
قالوا: ولا يمكن حمل تحقيق الحق على إظهار آثاره لأن ذلك الظهور حصل بفعل العباد، فامتنع أيضًا إضافة ذلك الإظهار إلى الله تعالى، ولا يمكن أن يقال المراد من إظهاره وضع الدلائل عليها، لأن هذا المعنى حاصل بالنسبة إلى الكافر وإلى المسلم.
وقبل هذه الواقعة، وبعدها فلا يحصل لتخصيص هذه الواقعة بهذا المعنى فائدة أصلًا.
واعلم أن المعتزلة أيضًا تمسكوا بعين هذه الآية على صحة مذهبهم.
فقالوا هذه الآية تدل على أنه لا يريد تحقيق الباطل وإبطال الحق ألبتة، بل إنه تعالى أبدًا يريد تحقيق الحق وإبطال الباطل، وذلك يبطل قول من يقول إنه لا باطل ولا كفر إلا والله تعالى مريد له.
وأجاب أصحابنا بأنه ثبت في أصول الفقه أن المفرد المحلى بالألف واللام ينصرف إلى المعهود السابق فهذه الآية دلت على أنه تعالى أراد تحقيق الحق وإبطال الباطل في هذه الصورة، فلم قلتم إن الأمر كذلك في جميع الصور؟ بل قد بينا بالدليل أن هذه الآية تدل على صحة قولنا.
أما قوله: {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} فالدابر الآخر فاعل من دبر إذا أدبر، ومنه دابرة الطائر وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال، والمراد أنكم تريدون العير للفوز بالمال، والله تعالى يريد أن تتوجهوا إلى النفير، لما فيه من إعلاء الدين الحق واستئصال الكافرين. اهـ.

.قال السمرقندي:

{لِيُحِقَّ الحق}، أي يظهر الإسلام.
{وَيُبْطِلَ الباطل}، يعني الشرك.
{وَلَوْ كَرِهَ المجرمون}، أي المشركون.
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «سِيرُوا عَلَىَ بَرَكَةِ الله، فَإِنِي رَأَيْتُ مَصَارِعَ القَومِ».
وجاءت قريش وأدركوا العير وأفلتوهم، فقال بعضهم لبعض: إنما خرجتم لأجل العير، فلما وجدتم العير فارجعوا سالمين.
فقال أبو جهل: لا نرجع حتى نقتل محمدًا ومن معه.
فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل بدرًا بجانب الوادي الأدنى، ونزل المشركون على جانبه الأقصى على الماء، والوادي فيما بينهما.
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، حتى أوتر.
وكانت ليلة النصف من شهر رمضان، وقال في قنوته: «اللَّهُمَّ لا تُفْلِتَنَّ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشّامِ وَفُلاَنًا» وفلانًا فباتوا تلك الليلة وقد أجنبوا وليس معهم ماء، فأتاهم الشيطان عند ذلك ووسوس إليهم، فقال لهم: تزعمون أنكم على دين الله، وأنكم تصلون محدثين مجنبين، والمشركون على الماء.
وكان الوادي ذا رمل تغيب فيه الأقدام، فمطرت السماء حتى سال الوادي، فاشتد ذلك الرمل واغتسل المسلمون من جنابتهم وشرّبوا دوابهم؛ فذلك قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الاقدام} [الأنفال: 11] إلى قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الاقدام} [الأنفال: 11] وكان عليّ والزبير يحرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء سقاة قريش يسقون الماء، فأخذهم عليّ والزبير، فسألاهم عن أبي سفيان، فقالوا: ما لنا بأبي سفيان من علم.
فقالا: فمع من أنتم؟ فقالوا: مع قريش من أهل مكة.
فقالا: كم هم؟ قالوا: لا ندري، هم كثير فضرباهم فقالوا: هم قليل فتركاهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَضْرِبُونَهُمْ إنْ صَدَقُوكُمْ، وَتَتْرُكُونَهُمْ إنْ كذَبُوكُمْ».
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «كَم القَوْمُ» فقالوا: هم كثير فلا ندري كم هم.
فقال: «كَمْ يُنْحَرُ لَهُمْ في كُلِّ يَوْمٍ» فقالوا: في يوم ينحر لهم عشرة جزر، وفي يوم تسعة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «القَوْمُ ما بَيْنَ تِسْعِمائَةٍ إلى أَلْفٍ» وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين، وكانوا قد خرجوا من مكة ألفًا ومائتين وخمسين، فرجع الأخنس بن شريق مع ثلاثمائة من بني زهرة مع العير، وبقي تسعمائة وخمسون رجلًا.
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ورفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْ هذه العِصَابَةَ فَإنَّكَ إنْ أَهْلَكْتُهُمْ، لا تعْبَد عَلَى وَجْهِ الأرْضِ أبَدًا» فقال أبو بكر: يا رسولَ الله، قد دنا القوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْشِرْ يا أبا بَكْرٍ، فإنِّي رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مُعْتَجِرًا بِعِمَامةٍ، يقودُ فَرَسًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ».
فأمدَّه الله بجبريل في ألف من الملائكة، وميكائيل في ألف من الملائكة، وإسرافيل في ألف من الملائكة؛ فذلك قوله: {بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125].
فقال أبو جهل: اللهم انصر أحب الدينين إليك، ديننا العتيق ودين محمد الحديث.
وقال عتبة بن ربيعة: يا معشر قريش، إنّ محمدًا رجل منكم، فإن يكن نبيًا فأنتم أسعد الناس به، وإن يكن ملكًا تعيشوا في ملك أخيكم، وإن يكن كاذبًا يقتله سواكم، لا يكون هذا منكم.
وإني مع ذلك لأرى قومًا زرق العيون لا يموتون، حتى يقتلوا عددًا منكم.
فقال أبو جهل: يا أبا الوليد، جبنت وانتفخ سحرك.
فقال له عتبة يا كذاب ستعلم اليوم أيّنا الجبان فلبس لأمته، وخرج معه أخوه شيبة بن ربيعة، وخرج معه ابنه الوليد بن عتبة، فتقدموا إلى القوم وقالوا: يا محمد، ابعث لنا أكفاءنا.